فصل: باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنى

1532- مالك عن زيد بن اسلم ان رجلا اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال ‏(‏فوق هذا‏)‏ فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال ‏(‏دون هذا‏)‏ فأتي بسوط قد ركب به ولان فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد ثم قال ‏(‏ايها الناس ‏!‏ قد ان لكم ان تنتهوا عن حدود الله من اصاب من هذه القاذورات ‏(‏3‏)‏ شيئا فليستتر بستر الله فانه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله قال ابو عمر لم يختلف عن مالك في ارسال هذا الحديث ولا اعلمه يستند بهذا اللفظ من وجه من الوجوه وقد ذكر بن وهب في ‏(‏موطئه‏)‏ عن مخرمة بن بكير عن ابيه قال سمعت عبيد الله بن مقسم يقول سمعت كريبا مولى بن عباس او حدثت عنه انه قال اتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف على نفسه بالزنى ولم يكن الرجل احصن فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سوطا فوجد راسه شديدا فرده ثم اخذ سوطا فوجد راسه لينا فأمر رجلا من القوم فجلده مائة جلدة ثم قام على المنبر فقال ‏(‏ايها الناس اتقوا الله واستتروا بستر الله‏)‏ وقال ‏(‏انظروا ما كره الله لكم فاجتنبوه‏)‏ او قال ‏(‏احذروا ما حذركم الله من الاعمال فاجتنبوه انه ما نؤتي به من امرئ‏)‏ قال بن وهب معناه نقم عليه كتاب الله قال ابو عمر هذا معنى حديث قول مالك وإن كان خلاف لفظه وفيه كراهة الاعتراف بالزنى وحب الستر على نفسه والفزع إلى الله عز وجل في التوبة وقد تقدم هذا المعنى في الباب قبل هذا وتقدم كثير من معاني هذا الحديث في ذلك الباب والحمد لله وفي حديث هذا الباب ايضا ان السلطان اذا اقر عنده المقر بحد من حدود الله عز وجل ثم لم يرجع عنه لزمه اقامة الحد عليه ولم يجز له العفو عنه وقد ذكرنا في فضل الستر على المسلم وستر المرء على نفسه احاديث كثيرة في ‏(‏التمهيد‏)‏ منها ما حدثني احمد بن عمر قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن فطيس قال حدثني مالك بن عبد الله بن سيف قال حدثني عمر بن الربيع بن طارق قال اخبرني يحيى بن ايوب عن عيسى بن موسى بن اياس بن البكير ان صفوان بن سليم حدثه عن انس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا نفحات الله عز وجل فان لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوه ان يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم‏)‏ حدثني عبد الرحمن بن مروان قال حدثني احمد بن سليمان بن عمرو البغدادي بمصر قال حدثني ابو عمران موسى بن سهيل البصري قال حدثني عبد الواحد بن غياث قال حدثني فضال بن جبير عن ابي امامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ثلاث لو حلفت عليهن لبررت والرابعة لو حلفت عليها لرجوت ان لا اثم لا يجعل الله من له سهم في الاسلام كمن لا سهم له ولا يتولى الله عبدا فيوليه إلى غيره ولا يحب قوم عبدا الا بعثه الله فيهم‏)‏ او قال معهم ‏(‏ولا يستر الله على عبد في الدنيا الا ستر عليه عند المعاد‏)‏ حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن اصبغ قال حدثني بن وضاح قال حدثني ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني عفان قال حدثني همام قال سمعت إسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة قال حدثني شيبة الحضرمي انه شهد عروة يحدث عمر بن عبد العزيز عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ما ستر الله على عبد في الدنيا الا ستر عليه في الاخرة‏)‏ اخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثني احمد بن سعيد قال حدثني محمد بن محمد الباهلي قال حدثني سليمان بن عمرو وهو الاقطع قال حدثني عيسى بن يونس عن حنظلة السدوسي قال سمعت انس بن مالك يقول كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين حتى يلين ثم يضرب به قلنا لانس في زمان من كان هذا قال في زمن عمر بن الخطاب واختلف الفقهاء في الموضع التي يضرب بها الانسان في الحدود فقال مالك الحدود كلها لا تضرب الا في الظهر قال وكذلك التعزير لا يضرب الا في الظهر عندنا‏.‏

وقال الشافعي واصحابه يتقى الفرج والوجه وتضرب سائر الاعضاء وروي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه مثل قول الشافعي انه كان يقول اتقوا وجهه والمذاكير وقال ابو حنيفة ومحمد بن الحسن تضرب الاعضاء كلها في الحدود الا الفرج والراس وقال ابو يوسف يضرب الراس ايضا قال ابو عمر روى سفيان عن عاصم عن ابي عثمان ان عمر رضي الله عنه اتي برجل في حد فقال للجلاد اضرب ولا نرى ابطك واعط كل عضو حقه وروي عن عمر وبن عمر انهما قالا لا يضرب الراس قال بن عمر لا يؤمر ان يضرب الراس واختلفوا في كيفية ضرب الرجال والنساء قياما او قعودا فقال مالك الرجل والمراة في الحدود كلها سواء لا يقام واحد منهما يضربان قاعدين ويجرد الرجل في جميع الحدود ويترك على المراة ما يسترها وينزع عنها ما يقيها من الضرب وقال الثوري لا يجرد الرجل ولا يمد ويضرب قائما والمراة قاعدة وقال الليث بن سعد وابو حنيفة والشافعي الضرب في الحدود كلها وفي التعزير مجردا قائما غير ممدود الا حد القذف فانه يضرب وعليه ثيابه وينزع عنه المحشو والبرد والفرو قال ابو عمر في حديث بن عمر في رجم اليهوديين ما يدل على ان الرجل كان قائما والمراة قاعدة لقوله فيه فرايت الرجل يحني على المراة يقيها الحجارة وما جاء عن عمر وعلي في ضرب الاعضاء ما يدل على القيام والله اعلم ومما يدل على الضرب قائما ما رواه شعبة عن ابي ميمونة قال اتيت المدينة فدخلت المسجد وقيدت بعيري فجاء رجل فجلد فقلت له يا نائك امه فرفعني إلى ابي هريرة وهو خليفة لمروان فضربني ثمانين قال فركبت بعيري وقلت‏:‏

لعمرك انني يوم اضرب قائما *** ثمانين سوطا انني لصبور

واختلفوا في اشد الحدود ضربا فقال مالك واصحابه والليث بن سعد الضرب في الحدود كلها سواء ضرب غير مبرح ضرب بين ضربين وقال ابو حنيفة واصحابه التعزير اشد الضرب وضرب الزنى اشد من الضرب في الخمر وضرب السارق اشد من ضرب القاذف وقال الثوري ضرب الزنى اشد من ضرب القذف وضرب القذف اشد من ضرب الشرب وقال الحسن بن حي ضرب الزنى اشد من ضرب الشرب والقذف وعن الحسن البصري مثله وزاد وضرب الشرب اشد من التعزير وقال عطاء بن ابي رباح حد الزنية اشد من حد الفرية وحد الفرية والخمر واحد قال ابو عمر القياس ان يكون الضرب في الحدود كلها واحدا لورود التوقيف فيها على عدد الجلدات ولا يرد في شيء منها تخفيف ولا تثقيل عما يجب التسليم له فوجبت التسوية في ذلك ومن فرق بين شيء من ذلك احتاج إلى دليل وقد ذكرنا ما نزعت به كل فرقة من الاثار لاقوالهم في كتاب ‏(‏التمهيد‏)‏ قال ابو عمر روى شعبة عن واصل عن المعرور بن سويد قال اتي عمر بن الخطاب بامراة زنت فقال افسدت حسبها اضربوها حدها ولا تخرقوا عليها جلدها وروي عن علي انه قال لقنبر في العبد الذي اقر عنده بالزنى اضربه كذا وكذا ولا تنهك وروي عن علي وعمر رضي الله عنهما دليل على ان قول الله عز وجل ‏(‏ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله‏)‏ ‏[‏النور 2‏]‏‏.‏

لم يرد به شدة الضرب والاسراف فيه وانما اراد تعطيل الحدود وان لا تاخذ الحكام رافة على الزناة فلا يجلدونهم ويعطلوا الحدود وهذا قول جماعة اهل التفسير وممن قال ذلك الحسن ومجاهد وعطاء وعكرمة وزيد بن اسلم وروى وكيع عن عمران بن حدير عن ابي مجلز في قوله عز وجل ‏(‏ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله‏)‏ ‏[‏النور 2‏]‏‏.‏

قال اقامة الحدود اذا رفعت إلى السلطان وروى نافع عن بن عمر الجمحي عن بن ابي مليكة عن عبيد او عبد الله بن عمر قال ضرب بن عمر جارية له احدثت فجعل يضرب رجليها قال واحسبه قال ظهرها قال فقلت ‏(‏ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله‏)‏ ‏[‏النور 2‏]‏‏.‏

قال يا بني واخذتني بهما رافة ان الله عز وجل لم يامرني ان اقتلها اما انا فقد اوجعت حين ضربت‏.‏

1533- مالك عن نافع ان صفية بنت ابي عبيد اخبرته ان ابا بكر الصديق اتي برجل قد وقع على جارية بكر فاحبلها ثم اعترف على نفسه بالزنى ولم يكن احصن فامر به ابو بكر فجلد الحد ثم نفي إلى فدك قال ابو عمر قد تقدم في باب الرجم ان النبي صلى الله عليه وسلم جلد العسيف وغربه عاما وذكرنا هناك حديث نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏البكر جلد مائة وتغريب عام‏)‏ وذكرنا هناك ايضا حديث بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وان ابا بكر ضرب وغرب وان عمر ضرب وغرب والتغريب النفي وذكرنا ما للفقهاء من الاختلاف في نفي العبيد والنساء وخالف ابو حنيفة واصحابه الاثار المرفوعة وغيرها في هذا الباب فلم يروا على الزاني البكر غير الجلد والجمهور على تغريب الرجل الحر اذا زنى واقيم عليه الحد الا ان منهم من يجعل سجنه التغريب والاكثر ينفونه من بلده ويسجنونه بالبلد الذي يغربونه به وفي اخر هذا الباب قال مالك الذي ادركت عليه اهل العلم انه لا نفي على العبيد اذا زنوا قال ابو عمر قول مالك ومذهبه انه لا نفي على العبيد ولا على النساء وقال الاوزاعي ينفى الزناة الرجال كلهم عبيدا او احرارا ولا ينفى النساء وقال الثوري والحسن بن حي ينفى الزناة كلهم واختلف قول الشافعي فمرة قال ينفى الزناة كلهم اذا جلدوا عبيدا كانوا او احرارا ذكرانا كانوا او اناثا سنة بسنة إلى غير بلادهم ومرة قال ينفى العبد إلى غير بلده نصف سنة وبه قال الطبري ومرة قال استخيروا الله في نفي العبيد ذكر ابو بكر بن ابي شيبة قال حدثني هارون قال حدثني محمد بن إسحاق عن نافع عن بن عمر ان ابا بكر رضي الله عنه نفى رجلا وامراة حولا قال ابو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نفى إلى خيبر وعن عمر انه نفى إلى خيبر وعن علي انه نفى إلى البصرة وعن عثمان انه نفى إلى خيبر وسئل الشعبي من اين إلى اين النفي قال من عمله إلى عمل غيره قال مالك في الذي يعترف على نفسه بالزنى ثم يرجع عن ذلك ويقول لم افعل وانما كان ذلك مني على وجه كذا وكذا لشيء يذكره ان ذلك يقبل منه ولا يقام عليه الحد وذلك ان الحد الذي هو لله لا يؤخذ الا باحد وجهين اما ببينة عادلة تثبت على صاحبها واما باعتراف يقيم عليه حتى يقام عليه الحد فان اقام على اعترافه اقيم عليه الحد قال ابو عمر اتفق مالك والشافعي وابو حنيفة واصحابه انه يقبل رجوع المقر بالزنى وشرب الخمر وكذلك السرقة اذا اقر بها السارق من مال الرجل وحرزه فاكذبه ذلك الرجل ولم يدع السرقة ثم رجع السارق عن اقراره قبل اقراره عند مالك ومن ذكرنا معه وقال بن ابي ليلى وعثمان البتي لا يقبل رجوعه في الزنى ولا في السرقة ولا في الخمر وقال الاوزاعي في رجل اقر على نفسه بالزنى اربع مرات وهو محصن ثم ندم وانكر ان يكون اتى ذلك انه يضرب حد الفرية على نفسه قال وان اعترف بسرقة او شرب خمر او قتل ثم انكر عاقبه السلطان دون الحد قال ابو عمر قال الاوزاعي ضعيف لا يثبت على النظر واختلف قول مالك في المقر بالزنى او بشرب الخمر يقام عليه الحد فيرجع تحت الجلد قبل ان يتم الحد فمرة قال اذا اقيم عليه اكثر الحد اتم عليه لان رجوعه ندم منه ومرة قال يقبل رجوعه ابدا ولا يضرب بعد رجوعه ويرفع عنه وهو قول بن القاسم وجماعة الفقهاء قال ابو عمر محال ان يقام على احد حد بغير اقرار ولا بينه ولا فرق في قياس ولا نظر بين رجوعه قبل الحد وفي اوله وفي اخره ودماء المسلمين فاذا هو محرم فلا يستباح منه شيء الا بيقين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابي هريرة وحديث جابر وحديث نعيم بن هزال وحديث ابي هريرة ان ماعزا لما رجم ومسته الحجارة هرب فاتبعوه فقال لهم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه رجما وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه‏)‏ فهي هذا اوضح الدلائل على ان المقر بالحدود يقبل رجوعه اذا رجع لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل هروبه وقوله ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوعا وقال ‏(‏فهلا تركتموه‏)‏ وقد اجمع العلماء على أن الحد اذا وجب بالشهادة واقيم بعضه ثم رجع الشهود قبل ان يقام الحد او قبل ان يتم انه لا يقام عليه ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود فكذلك الاقرار والرجوع وبالله التوفيق‏.‏

باب جامع ما جاء في حد الزنا

1534- مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابي هريرة وزيد بن خالد الجهني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة اذا زنت ولم تحصن فقال ‏(‏ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير‏)‏ قال بن شهاب لا ادري ابعد الثالثة او الرابعة قال مالك والضفير الحبل هكذا روى مالك هذا الحديث عن بن شهاب بهذا الاسناد وتابعه على اسناده هذا يونس بن يزيد ويحيى بن سعيد ورواه عقيل والزبيدي وبن اخي الزهري عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ان شبل بن خالد او شبيل بن خالد المزني اخبره ان عبد الله بن مالك الاوسي اخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة اذا زنت وذكروا الحديث الا ان عقيلا وحده قال مالك بن عبد الله الاوسي وقال الزبيدي وبن اخي الزهري عبد الله بن مالك الاوسي وقال يونس بن يزيد عن الزهري عن عبيد الله عن شبل بن خالد المزني عن عبد الله بن مالك ورواه بن عيينة عن بن شهاب عن عبيد الله عن ابي هريرة وزيد بن خالد وشبل المزني ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة اذا زنت وقد تقصينا الاختلاف عن بن شهاب في هذا الحديث في ‏(‏التمهيد‏)‏ وذكرنا اقوال ائمة اهل الحديث في ذلك هنالك وزعم الطحاوي انه لم يقل احد في هذا الحديث ‏(‏ولم تحصن‏)‏ سوى مالك وان سائر الرواة عن بن شهاب انما قالوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما قال عن الامة ‏(‏اذا زنت - فقال اذا زنت فاجلدوها‏)‏ الحديث وليس كما زعم الطحاوي وقد قاله يحيى بن سعيد في هذا الحديث عن بن شهاب وقالته طائفة من رواة بن عيينة عن بن عيينة عن الزهري في هذا الحديث واذا اتفق مالك وبن عيينة ويحيى بن سعيد في هذا الحديث على قوله ‏(‏ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة اذا زنت ولم تحصن‏)‏ وليس من خالفهم عليهم حجة وقد روى هذا الحديث سعيد بن ابي سعيد المقبري عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه ولم تحصن ورواه عن سعيد المقبري الليث بن سعد واسامة بن سعد وعبيد الله بن عمر واسماعيل بن امية وقد ذكرنا الاسانيد عنهم وعن سائر رواة بن شهاب في ‏(‏ التمهيد‏)‏ ورواية ايوب بن موسى ‏(‏فليجلدها الحد‏)‏ ولا نعلم احدا ذكر فيها الحد غيره وكلهم يقول ولا يعيرها ولا يثرب عليها واجمع العلماء على ان الامة اذا تزوجت فزنت ان عليها نصف ما على الحرة البكر من الجلد لقول الله عز وجل ‏(‏فاذا احصن فان اتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب‏)‏ ‏[‏النساء 25‏]‏‏.‏

والاحصان في الاماء على وجهين عند العلماء منهم من يقول فاذا احصن أي تزوجن ومنهم من يقول احصان الامة اسلامها واختلف القراء في القراءة في هذه الكلمة فمنهم من قرأ احصن بضم الهمزة وكسر الصاد يريدون تزوجن واحصن بالازواج يعني احصنهن غيرهن يعني الازواج بالنكاح وقد قيل احصن بالاسلام فالزوج محصنها والاسلام محصنها ومن قرا بفتح الهمزة والصاد اراد تزوجن او اسلمن على مذهب من قال ذلك والمعنيان في القراءتين متقاربان متداخلان وقد ذكرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ كل من قرا بالقراءتين من الصحابة والتابعين وسائر القراء في امصار المسلمين وكان بن عباس يقول اذا احصن بالازواج وكان يقول ليس على الامة حد حتى تتزوج وروى عطية بن قيس عن ام الدرداء عن ابي الدرداء مثله وروي عن عمر ما يشبهه وروى عمرو بن دينار وعطاء عن الحارث بن عبد الله بن ابي ربيعة عن ابيه انه سال عن عمر بن الخطاب عن الامة كم حدها قال القت بفروتها من وراء الدار قال ابو عبيد لم يذكر بقوله هذا الفروة بعينها لان الفروة جلدة الراس كذا قال الاصمعي وكيف تلقي جلدة راسها من وراء الدار ولكن انما اراد بالفروة القناع يقول ليس عليها قناع ولا حجاب لانها تخرج إلى كل موضع يرسلها اهلها إليه لا تقدر على الامتناع من ذلك وكذلك لا تكاد تمتنع من الفجور فكانه راى ان لا حد عليها اذا فجرت بهذا المعنى قال وقد روي تصديق ذلك في حديث مفسر حدثناه زيد عن جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم قال تذاكرنا يوما قول عمر هذا فقال سعد بن حرملة انما ذلك من قول عمر في الرعايا فاما اللواتي قد احصنهن مواليهن فانهن اذا احدثن حددن قال ابو عبيد هكذا جاء في هذا الحديث الرعايا واما العربية فرواعي قال ابو عمر ظاهر حديث عمر هذا ان لا حد على الامة الا ان تحصن بالتزويج وقد قيل ان معناه ان لا حد على الامة - كانت ذات زوج او لم تكن لانه لا حجاب عليهما ولا قناع وان كانت ذات زوج وقد روي عن بن عباس ان لا حد على عبد ولا ذمي الا انه قول مجمل يحتمل التاويل وروي عنه ايضا ان ليس على الامة حد حتى تحصن رواه بن عيينة عن بن ابي نجيح عن مجاهد عنه وهو قول طاوس وعطاء وروي عن بن جريج عن بن طاوس عن ابيه انه كان لا يرى على العبد ولا على الامة حدا الا ان ينكح الامة حر فينكحها فيجب عليها شطر الجلد قال بن جريج قلت لعطاء عبد زنى ولم يحصن قال يجلد غير حد قال ابو عمر كل من لا يرى على الامة حدا حتى تنكح يرى ان تؤدب وتجلد دون الحد ان زنت ورووا حديث ابي هريرة وزيد بن خالد على هذا المعنى وممن قال لا حد على الامة حتى تحصن بزوج ما تقدم عن عمر وابي الدرداء وبن عباس وطاوس وابي عبيد القاسم بن سلام واما الذين قالوا احصانها اسلامها فيرون عليها الحد اذا زنت كانت قد تزوجت قبل ذلك ام لا روي ذلك عن بن مسعود وغيره‏.‏